الفرج ...
* قال الأمير المظفر أسامة بن منقذ - رحمه الله:
وحكى لي صاحبي عن ابن صاحب الطور، وكان طلع معي من مصر في سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، قال: حدثني ابن والي الطور - وهي ولاية لمصر بعيدة كان الحافظ لدين الله -رحمه الله- إذا أراد إبعاد بعض الأمراء ولاه الطور - وهو قريب من بلاد الإفرنج...
قال: وليها والدي وخرجت أنا معه إلى الولاية وكنت مغرى بالصيد.
فخرجت أتصيد، فوقع بي قوم من الإفرنج فأخذوني ومضوا إلى بيت جبريل فحبسوني فيه في جب وحدي، وقطع عليَّ صاحب بيت جبريل ألفي دينار.
فبقيت في الجب سنة لا يسأل عني أحد، فأنا في بعض الأيام في الجب وإذا قد رفع عنه الغطاء ودُلِّي إليَّ رجل بدوي.
فقلت: من أين أخذوك؟
قال: من الطريق.
فأقام عندي يويمات وقطعوا عليه خمسين دينارًا.
فقال لي يومًا من الأيام: تريد تعلم أنه ما يخلصك من هذا الجب إلا أنا؟
فخلصني حتى أخلصك.
فقلت في نفسي: رجل قد وقع في شدة يريد لروحه الخلاص، فما جاوبته ثم بعد أيام أعاد عليَّ ذلك القول.
فقلت في نفسي: والله لأسعين في خلاصه لعل الله يخلصني بثوابه.
فصحت بالسجان، فقلت له: قل للصاحب أشتهي أتحدث معك.
فعاد، وأطلعني من الجب وأحضرني عند الصاحب.
فقلت له: لي في حبسك سنة ما سأل أحد عني ولا يدري أنا حي أو ميت، وقد حبست عندي هذا البدوي وقطعت عليه خمسين دينارًا، اجعلها زيادة على قطيعتي ودعني أسيره إلى أبي حتى يفكني، قال: أفعل.
فرجعت عرفت البدوي وخرج ودعني ومضى.
فانتظرت ما يكون منه شهرين فما رأيت هل أثرًا ولا سمعت له خبرًا، فيئست منه.
فما راعني ليلة من الليالي إلا وهو خرج عليَّ من نقب في جانب الجب وقال: قم والله لي خمسة أشهر أحفر هذا السرب من قرية خربة حتى وصلت إليك فقمت معه وخرجنا من ذلك السرب وكسر قيدي وأوصلني إلى بيتي.
فما أدري مما أعجب؟! من حسن وفائه أو من هدايته حتى طلع نقبه من جانب الجب.
وإذا قضى الله سبحانه بالفرج فما أسهل أسبابه ( ).
***